• اخر الاخبار

    قصة نجاح الشيخ سليمان الراجحي

    الملياردير الذي بدأ "حمّال أمتعة"


    لم يكن طريقه مفروشا بالورود، وإنما كان مليئا بالصعاب التي استطاع أن يقهرها حتى وصل إلى قمة النجاح، بدأ حياته العملية طباخا وحمالا ، ليصبح اليوم واحدا من أهم رجال الأعمال ليس في السعودية فحسب وإنما في المنطقة برمتها، وحملت قصة كفاحه التي استمرت قرابة 80 عاماً في عالم التجارة الكثير من العبر، والدروس، والتي ترسم الطريق لكل باحث عن النجاح.
    إنه الملياردير السعودي الشهير الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي، الذي يحتل المرتبة الـ107 عالميا في قائمة "فوربس" لأثرياء العالم، والمرتبة السابعة عربيا بثروة بلغت 8.4 مليارات دولار، واستطاع أن يبني إمبراطورية اقتصادية من خلال المشاريع التي طورها وجعلها من أفضل وأنجح المشاريع المتخصصة في نشاطها، ومنها "مصرف الراجحي" الذي يعد من أكبر الشركات المصرفية عربيا وعالميا، و"الشركة الوطنية للدواجن وإنتاج البيض"، التي تعتبر من أكبر مزارع الدواجن في العالم، وكذلك "مشروع تربية الأغنام" في الجوف, ومشروع "شركة الروبيان الوطنية" في الليث، وغيرها من المشروعات الكبرى.

    البداية من "الصفر"
    ولد الشيخ سليمان عام 1340هـ في "البكيرية" وهي إحدى مدن منطقة القصيم، وتعود أصوله إلى قبيلة بني زيد في نجد، وقد انتقل مع أسرته إلى الرياض بحثا عن الرزق، ولم يكمل الشيخ تعليمه مثل بقية إخوته فقد كان دائم التغيب عن المدرسة، ولم تكن له رغبة في استكمال التعليم، حيث كان مشدوداً لعالم التجارة لذلك اكتفى بما تعلمه حتى السنة الثانية الابتدائية.
    بدأ الراجحي حياته العملية في العاشرة من عمره بتجارة "الكيروسين"، حيث لم تكن الكهرباء معروفة في ذلك الوقت، وكان "الكيروسين" يأتي من خارج المملكة في "تنكات" ثم تعبأ في قوارير، وكان يربح من هذه التجارة قرشا أو قرشا ونصف خلال اليومين، وعمل بعد ذلك حمّالاً مقابل نصف قرش في اليوم، وكان الريال في ذلك الوقت يساوي حوالي 22 قرشا، ثم انتقل ليعمل طباخا بإحدى الشركات التي كانت تعمل في مشاريع الدولة، لكنه لم يستمر طويلا، بسبب رفض الشركة زيادة راتبه أسوة بزملائه في العمل.
    وفي عام 1365هـ، استقل الراجحي واختار محلاً صغيراً لتجارة "البقالة"، وكانت ثروته وقتها حوالي 400 ريال، وبعد ذلك بخمس سنوات بدأ العمل في مجال الصيرفة، فكان يبيع ويشتري العملات مع الحجاج، وكانت انطلاقته في عالم الاقتصاد عندما عينه أخيه صالح الراجحي موظفاً معه وكان راتبه في ذلك الوقت 1000 ريال.
    يقول الراجحي: "إن رأس الإنسان هو كمبيوتر إذا ما استُخدم في التفكير الجاد والعمل الدءوب، وقنوات العمل مفتوحة أمام الجميع تنتظر دخولها"، ومن هذا المنطق استطاع الملياردير الشهير أن يبني ويدير صروحه الاقتصادية، ورغم أن الرجل لم يكمل تعليمه إلا أنه نجح في إدارة موظفيه، والذين يحمل معظمهم شهادات وخبرات اقتصادية كبيرة.
    ويعتبر "مصرف الراجحي" من أهم المؤسسات التي يديرها الشيخ سليمان وقد تأسس عام 1957م، ويعتبر اليوم أحد أكبر المصارف الإسلامية في العالم، فهو يدير أصولاً بقيمة 124 مليار ريال سعودي (33 مليار دولار أمريكي)، ويبلغ رأس ماله 15 مليار ريال سعودي (4 مليارات دولار)، ويعمل فيه أكثر من 8 آلاف موظف.
    وقد شهد عام 1978م دمج مختلف المؤسسات التي تحمل اسم "الراجحي" تحت مظلة واحدة هي "شركة الراجحي المصرفية للتجارة"، وتم في نفس العام تحويل المصرف إلى شركة مساهمة سعودية قابضة، ويلعب المصرف دوراً رئيسياً وأساسياً في سد الفجوة بين متطلبات المصرفية الحديثة والقيم الجوهرية للشريعة الإسلامية، مشكلاً معايير صناعية وتنموية يُحتذى بها
    ويتمتع المصرف بشبكة واسعة تضم 500 فرع، ولديه أكبر قاعدة عملاء، ويعمل في قطاعات ومجالات مختلفة، وهو ما يزال في نمو مستمر من خلال تنويع مصادر الدخل وتطوير الاستثمارات، كما يواصل المصرف تطوير البرامج والمشاريع المصرفية مع التركيز على توفير أحدث الخدمات الإلكترونية والمنتجات الاستثمارية وأكثرها تطوراً، بهدف توفير خدمات مصرفية واستثمارية مبتكرة، لاسيما الأعمال المصرفية الإلكترونية.
    وقد حصل المصرف في الربع الأول من العام الماضي على عدة جوائز من مجلة "يورموني" و"بانكرز" الآسيوية لإنجازاته في مجال مصرفية الأفراد والشركات، بما فيها أفضل تمويل لعدة مشاريع في مجال الطاقة والبنية التحتية والإنشاءات والاتصالات وفقاً لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية ، كما نال المصرف "جائزة الشيخ سالم الصباح" لأفضل موقع لمصرف تجاري في العالم العربي.
    وتوسع "مصرف الراجحي" خارج السوق السعودية، ودخل السوق الماليزية عام 2006م، بعد أن مُنح الترخيص المصرفي الكامل للعمل كأول مصرف أجنبي في ماليزيا من قبل مصرف "نيغارا ماليزيا"، وهي الخطوة الأولى في توجه المصرف نحو الدخول إلى السوق المصرفي في جنوب شرق آسيا، حيث تم إدخال المنتجات المصرفية الأساسية إلى السوق الآسيوية، وتوفير تجربة جديدة بالكامل من المصرفية الإسلامية، ولدى المصرف حالياً 19 فرعاً في ماليزيا مع خطط لزيادة عدد هذه الفروع في المستقبل.
    ويلعب المصرف دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية بالمملكة، فقد وقع اتفاقية مع وزارة الشؤون الاجتماعية تتضمن إعداد البرامج التدريبية والتطويرية للشباب والفتيات، تتيح لهم فرص العمل في المجال المصرفي، كما يتعاون المصرف مع الجامعات النسوية في إعداد دبلومات في مجالات مختلفة، حيث يقوم برنامج الدبلوم بتدريب المرأة لتوفير الدعم اللازم لها لإقامة مشاريع تجارية صغيرة.
    وفي مجال الرعاية الصحية تبرع المصرف بما مجموعه 600 جهاز ومُعدة طبية للمرضى المحتاجين لصالح "جمعية أصدقاء المرضى"، إضافة إلى مساهمته في توفير السكن والأثاث للجمعية ضمن مشروع بلغت تكاليفه 4 ملايين ريال سعودي، كما وقع المصرف مؤخراً اتفاقية مع "مدينة الملك فهد الطبية" بقيمة 500 ألف ريال سعودي سنوياً لعلاج 600 مريض ومريضة من الذين يسافرون إلى مراكز أخرى لتلقي العلاج.
    ونظّم المصرف أيضاً برامج تعليمية لمنع حدوث العمى بسبب مرض السكري، وقد بلغت قيمة المشروع 4 ملايين ريال سعودي، وخصص المصرف مشروع بناء وتجهيز عيادة لمكافحة التدخين في منطقة الإحساء، بالإضافة إلى تولي مصاريف التشغيل لمدة 3 سنوات، في مشروع بلغت قيمته 4.5 مليون ريال سعودي.
    وفي مجال الإسكان تعهد المصرف بالتعاون مع "مشروع الأمير سلمان السكني"، بدفع قيمة 20 وحدة سكنية بين منطقة الخرج والمزاحمية بتكلفة بلغت 6 ملايين ريال تقريباً، وأما في مجال العمل الخيري فقد طوّر "مصرف الراجحي"، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، صندوقاً استثمارياً مخصصاً للأيتام، لاستثمار أموالهم ومن ثم حصولهم على العائد في نهاية الأمر.
     
    صروح عملاقة  
    تمثل "شركة الروبيان الوطنية" أحد الصروح العملاقة التي أقامها الراجحي، وقد حصلت الشركة على المركز الخامس والعشرين ضمن "أسرع 100 شركة سعودية نمواً" من خلال مشاركتها في "المنتدى الدولي للتنافسية" والذي أقيم بالرياض في مطلع العام الجاري.
    وجاء هذا النجاح من خلال المنهج السليم الذي تبنته الشركة للاستفادة من الموارد الاقتصادية التي تزخر بها البلاد، وهي موارد غير قابلة للنضوب مثل مياه البحر والأراضي السبخية غير الصالحة للزراعة واستثمارها على نحو مستدام ورشيد، وإحداث تنمية ساحلية للمجتمعات الريفية، واحتواء أبناءها وبناتها بتوفير فرص العمل لهم، وإنعاش اقتصاديات هذه المناطق الساحلية ورفع إسهاماتها في الناتج المحلي الوطني، وتبني النهج العلمي السليم في الاستثمار، وتوطين تقنيات "صناعة الاستزراع" محلياً من خلال القيام بالعديد من الدراسات والأبحاث والتجارب المتخصصة، واستقدام خبرات دولية لها تاريخها في حقل استزراع "الروبيان".
    وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد افتتح هذا المشروع عام 2003م، وقام بوضع حجر الأساس لتوسعته العملاقة ليتبوأ الريادة العالمية في هذا المجال، حيث أصبحت الشركة أهم منتج ومصدر "للروبيان" على مستوى العالم، وأصبح هذا المشروع الأوحد من نوعه في العالم.
    أما مشروع "دواجن الوطنية" الذي يقع بمنطقة القصيم على مسافة 350 كيلومتراً من مدينة الريـاض، فيعتبر الأضخم من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، وواحداً من المشاريع العملاقة على مستوى العالم في مجال إنتاج الدواجن والمواد الغذائية ، ويحتل هذا المشروع رقعة تزيد عن 200 كلم مربع بها قرية متكاملة بأقسامها الإنتاجية، من مساكن ومساجد ومطاعم وطرق ومياه وكهرباء وشبكات اتصال.
    وتدير هذه القرية النموذجية كوادر علمية متميزة وكفاءات إنتاجية مدربة، وقد بلغت التكلفة الإجمالية لهذا المشروع مع التوسعة حوالي 3 بلايين ريال سعودي، وتم تجهيز المشروع بأحدث ما وصلت إليه وسائل التقنية العالمية في إنتاج الدواجن، وقد حققت الشركة إنتاجا على مستوى عالمي متميز من الجودة ، وهو ما أهّلها لأن تكون الشركة الوطنية الأولى في مجال إنتاج الدواجن.
    وحصلت الشركة على شهادتي ISO 9001)) و (ISO 9002) من "هيئة المواصفات العالمية" كأول شركة دواجن تحصل على هذه الشهادة، ثم طورتها إلى شهادة ( Iso 9001-2000 ) ، كما حصلت كذلك على شهادتي الهاسب (HACCP) و شهادة سلامة الأغذية (SQF) كأول شركة في الخليج والشرق الأوسط تنال هذه الشهادات العالمية.

    عرفان بالجميل
      ورغم الأعباء الكثيرة الملقاة على عاتق الشيخ سليمان، إلا انه لا يتوانى عن العمل الخيري الذي يعتبره عرفانا بالجميل لهذا الوطن، وفي هذا الصدد قام بالعديد من المبادرات الخيرية ومنها إعلانه إقامة "جامعة البكيرية" التي رصد لها ما يقارب النصف مليار ريال كدفعة أولية، بعد صدور المرسوم الملكي الذي يسمح بإنشائها.
    وفي هذا الاطار أكد الراجحي أنه لم ينشئ الجامعة من أجل الربح، بل هي بشكل رئيس خدمة للوطن وأبنائه، وستكون للطالب الفقير بالمجان على أن يأتي عن طريق الجمعية الخيرية، أما ذوي الدخل المحدود فستكون دفعاتهم حسب ما يستطيعون، ما يسهل على الجميع الالتحاق بالتعليم العالي.
    وذكر الشيخ سليمان الراجحي أنه سيؤهل الجامعة بأحدث مؤهلات الجامعات العالمية من جميع الإمكانيات، وسيجلب لها طاقم تدريس متفوق عالمياً لتصبح صرحاً يتحدث عنه القاصي والداني، وليرفع نسبة التعليم لدى أبناء الوطن إلى مستويات عالية.
    وتلعب "مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية" دوراً كبيراً في مجال العمل الخيري، فقد قدمت المؤسسة تبرعات سخية للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في منطقة الرياض، وصلت إلى أكثر من خمسة ملايين ريال، الأمر الذي دفع صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز إلى تسليم درع الجمعية للشيخ سليمان الراجحي، وقامت المؤسسة أيضاً بتقديم دعم لجمعيات التحفيظ في مختلف مناطق المملكة بلغ 17 مليون ريال، مساهمة من الجمعية في تشجيع الناشئة من أبناء الأمة على حفظ كتاب الله وتعلمه والعمل به.
    وتلعب "مكتبة سليمان الراجحي الخيرية" دورا ثقافيا كبيراً، وتعد أهم مكتبة متطورة على مستوى منطقة القصيم، وتتميّز هذه المكتبة بخدماتها الراقية، وهو ما جعل أعداد الزائرين تزداد يوماً بعد يوم، حتى أن أعدادهم تصل أحياناً إلى مائة زائر في اليوم الواحد، وهي أعداد كبيرة مقارنة بالمكتبات العامة في المنطقة، والتي لا يتجاوز أعداد الزائرين لها أصابع اليد الواحدة.
    وأما بالنسبة للمستفيدين فقد بلغ أعداد الذين أنهوا رسائل الماجستير والدكتوراه داخل المكتبة، منذ افتتاحها وحتى اليوم، قرابة الثلاثين شخصاً، وسر هذا الإقبال من الباحثين على هذه المكتبة بالذات أنها قد وضعت غرفاً مخصصة لهم، وذلك لمن يحبذون الهدوء التام، وتم تقسيم كل غرفة منها إلى خمس كبائن لا تستوعب سوى خمسة باحثين فقط.

    بدايات ضعيفة قادته للقمة - ثروة هذا الرجل اليوم تقدر بـ 5 مليار و مئتين مليون دولار
    ويحتل المركز 91 من لائحة فوربس لأثرياء العالم للعام 2005
     
    في لقاء مع الشيخ سليمان الراجحي النشأة والبداية؟
      يقول الراجحي نشأت كغيري من الشباب في هذا البلد ولا أمتلك من الشهادات عدا الشهادة الابتدائية والتجار في ذلك الوقت كانوا لا يملكون أكثر من ألف أو ألفي ريال بمعنى أنه كان هنالك شح مادي، وفي بداية رحلتي عملت حمَّالاً بريال واحد وأنا أعتبر ذلك من باب الرجولة والفخر حتى لا أمد يدي لأحد، ثم بعد ذلك عملت صبياً وكان عملي شهري بريال ثم عملت (رمّاد) أجلب الرماد من المنازل ليخلط مع الطين ويبنى به المساجد بـ 10 ريالات وكان أصحاب المنازل يرفضون إعطائي الرماد إلا نظير أن أكنس لهم المطابخ لأنتقل بعد ذلك إلى مهنة الطباخة في قصور الفوطة حتى صرت والحمد لله طباخاً ماهراً، وكانت بداية عملي في الاقتصاد عندما عينني أخي صالح الراجحي موظفاً معه في عام 1965م وكان راتبي في ذلك الوقت 1000 ريال.

    كيف بنى الشيخ الراجحي صروحه التجارية؟
    بتوفيق من الله كان لديّ برنامج عمل لا أحيد عنه أبداً سواء كان ذلك خلال عملي في الصرافة أو في مجالات الزراعة أو الصناعة أو في مشروع الدواجن فأنا أول من يأتي إلى مكان العمل وآخر من يخرج منه ولابد أن يكون صاحب العمل مهتم بعمله وأول ما أسست شركة الراجحي كنت أخرج من المنزل قبل الفجر والساندوتش في جيبي وأدخل مكتبي قبل الموظفين بساعتين وأبدأ أعمل حتى كونت صروحي التجارية وأرسيت قواعدها أما الآن فصرت أوزع عملي على أولادي وأصبحت بعد أن كنت صاحب العمل صرت دلال أجلب لأولادي الزبائن وكنت أشارك بفكري في كل صغيرة وكبيرة في عملي فمثلاً في مجال العمل الزراعي كان معي دكاترة وآخرين من حملة الماجستير وأنا مؤهلي الأكاديمي شهادة الابتدائي لكني كنت أطرح عليهم بعض الأطروحات لم يدرسونها في تخصصاتهم أطرحها بطريقة عامية منظمة وكانوا يعملون بها ومن ثم توسعت في عملي وشاركت غيري ومثال ذلك مشروع الروبيان الذي أقمته بالتعاون مع شركة محمد عبد الله السبيعي وقال الراجحي إن رأس الإنسان هو كمبيوتر إذا ما استخدمه الإنسان في التفكير الجاد والعمل الدؤوب والعمل قنواته مفتوحة أمام الجميع تنتظر ولوجها.

    منعطفات مرّت بك خلال مسيرتك التجارية ؟
    العمل التجاري محفوف بالخسائر والأخطاء وأنا خلال مسيرتي تعرضت لأخطاء كثيرة وخسائر جمة ولكني لم أقف عندها مكتوف الأيدي بل عالجت الأخطاء والخسائر واستفدت منها كدروس وعبر والفشل والنجاح متلازمان ومنها على سبيل المثال عمليات الترحيب والهدايا والكرم والضيافة التي كانت تقدم لنا في الخارج لا تتم من أجل الاحتفاء بنا وإنما تضاف لقيمة الصفقة التجارية وأحث رجال الأعمال بتدارك هذه الشكليات وأشدد على عدم التعامل بالمال الحرام لأنه يقود للفشل فالتاجر يجب أن يهتم بالهللة قبل الريال وبالريال قبل الآلف، بالألف قبل المليون ولابد من الأمانة والمصداقية والخوف من الله في كل شيء.

    كيف تراقب موظفيك وأعمالك ؟
    أي تاجر أو صاحب عمل يجب أن يكون لديه دفتر يسجل فيه يومياً كل ما هو وارد أو منصرف ولا يترك أي شاردة ولا واردة فأنا كنت أعمل في جدة وأول مصرف فتحته كان سنة 1966م كان لديّ محاسب وكنت أسجل كل شيء في الدفتر وبعد فترة طلبت من المحاسب إعداد ميزانية وعندما أعدها المرة الأولى قلت خطأ فراجعها ثانية وأيضاً قلت لـه خطأ، ولم يعدها صحيحة إلا المرة الثالثة فعرضت عليها ما أعددته من ميزانية فكانت مطابقة تماماً لميزانيتي التي أعددتها. فأنا أتابع عملي بنفسي وأراقب كل شيء بنفسي ومن هنا أعيب على رجال الأعمال السفر والبعد عن مواقع عملهم وتركها للأجانب فإذا كان لابد من السفر فلا مانع أن يكون يوماً أو يومين أو أسبوعاً.

    عُرف وقتك بالمصداقية في التعامل أما في الوقت الحالي يشتكي الناس عدم المصداقية ما تعليقكم على ذلك ؟
    المصداقية في وقتنا حقيقة كانت موجودة والثقة بين الناس كانت متوفرة بأريحية تامة وكان الناس يأتون بأموالهم إلينا دون معرفة عددها كم ولم نكن نتعامل معهم بأوراق ثبوتية وأضرب لكم مثالاً عن الثقة المتناهية بين الناس عندما كنا نُرسل نقوداً أو ذهباً أنا والأخ السبيعي من جدة إلى المكان الذي نود إيصالها لـه كنا نربطها في (خيشة) ونعطيها لأي مسافر ونتصل هاتفياً مثلاً بأبي عبد الرحمن نحن أرسلنا نقوداً مع شخص يلبس عقالاً، وفي حقيقة كنا نستحي أن نسأله عن اسمه فكانت الأمانة موجودة وكنا صادقين مع الله وهنا أستشهد بموقف مر بي ذات مرة فقد أرسلت صندوقاً فيه 40.000 جنيه نيجيري وكان الجنيه النيجيري يعادل في ذلك الوقت الجنيه الإسترليني شحنته من جدة إلى بيروت ومنها إلى سويسرا مرّ الصندوق 40 يوماً لم أكن مؤمّن عليه فلم أقلق وكنت متوكلاً على الله وبعد الفترة وصل واستلم كاملاً، أما في الوقت الحالي انعدمت أو كادت أن تنعدم المصداقية وعلى أصحاب النفوس غر الصادقة أن تتوجه إلى الله وتجعل من الأمانة والصدق ديدنها..

    كيف يجمع الشيخ سليمان بين العمل والمنزل ؟
    ليس من الصعب أن يوازن الإنسان بين عمله ومنزله فأنا والحمد لله وفقت بالزواج من أربع نساء صالحات ساعدوني كثيراً في حملي الكبير والحمد لله عندي أبناء كبار يعملون معي، فالأبناء الكبار وجدوا مني رعاية واهتماماً كبيرين أكثر من جيلي، أما الصغار حقيقة أنا مقصر معهم لظروف العمل ولكني أعطيهم ساعتين في اليومين وأخوانهم الكبار لا يقصرون معهم جزاهم الله خيراً.

    البرنامج اليومي للشيخ سليمان الراجحي ؟
    ليس لديّ برنامج عمل يومي أنا معكم الآن بالرياض وبعد ساعات إن شاء الله سوف أكون بالقصيم وبرنامجي مرهون بمكان وجود العمل فأينما وجد العمل وجد سليمان الراجحي ولكني أنهض قبل الفجر لأني مربي دجاج..لو كان الأسبوع 9 أيام لقضيتها في العمل فالعمل صحة ونشاط، وقوة وسعادة وهو يُذهب الحزن من النفس فالله أعطانا العقل والعمر فيجب أن نستثمره في الطاعة والعمل في حد ذاته عبادة فيجب أن نحسنها.

    مواقف طريفة مرت بك خلال مسيرتك العملية ؟
    كنت ذات مرة في بيروت وكان معي ثلاثة ملايين ريال وكنت أتأهب للسفر قطعت تذكرة بـ 400 ريال ومعها 20 كيلو وزن مجاناً ولم يكن معي أمتعة فقلت أستغل ذلك، فقمت بشراء بسكويت وشيكولاته للأولاد وركبت التاكسي من الفندق متوجهاً إلى المار مع سائق التاكسي الذي شك أن معي نقود وفي أثناء التحرك ركب معي شخص وبعد قليل ركب شخص آخر وعرفت أنه لم يأخذ اتجاه المطار حينها تيقنت أني وقعت في مصيدة، لكن الله سبحانه وتعالى فتح لي باباً للنجاة لأني صدقت مع الله فسألني سائق التاكسي هل أنت من هذه البلاد قلت لـه لا، فقال لي لماذا تستعجل الذهاب؟ فقلت لـه أنا موظف في وزارة الصحة ومريض وحضرت من أجل العلاج والآن أصبح معي 60 ريالاً فقط فشعرت أن السائق تغير وجهه فنزل من كان معه وعندما وصلت المطار سألته عن اسمه وعنوانه، فذكر لي أن اسمه محمد وأنا كنت متيقناً أنه نصاب وحرامي.
    الكثير يقول إن الفرص التي أتيحت لكم كانت كبيرة مقارنة بالوقت الحالي ما هي رؤيتكم ؟

    من قال هذا الكلام؟ وأنا أعتبر من يقول مثل هذا الكلام فاشل، والعكس تماماً فالفرص اليوم متوفرة أكثر من الماضي، الاقتصاد في تنام كبير والنقود موجودة والتكنولوجيا متطورة والسوق موجود وفرص اليوم أكثر من فرص الأمس، لكن السماء لا تُمطر ذهباً، العمل يحتاج مراقبة ومتابعة لصيقة فأنا كنت لا أعطي أحداً مفتاح مكتبي فأنا الذي افتحه وأنا الذي أغلقه وعندما بدأت التجارة كنت أبيع في اليوم ما قيمته 20 ريالاً ولا أستعجل الربح وفي عام 76م كنت أملك 100.000 ريال ولكن بالعمل والجهد والعزم توسعت التجارة وكثرت الأرباح والتجارة لا تتطلب الاستعجال عليها، ارْضَ بـ 10 ريالات إلى أن تتوسع.

    تعرض مشروع الوطنية لفشل ما هي الاستراتيجية التي عالجتم بها هذه القضية ؟
    الفشل أو الخسارة واردة في أي مرحلة من مراحل المشروع ومشروع الوظنية أسسته مع زوج ابنتي عبد العزيز فقد ساهمت بالمال وهو ساهم بالعمل لكن اتضح أن المشروع كان يخسر والنافق من الدجاج وصل إلى 50% ومن المعروف أن النافق إذا وصلت نسبته 10% يعتبر ذلك خسارة فقمنا بفصل الشركة ودخل معي ابني محمد ثم ذهب وجاء ابني خالد فتكشفت لنا حقائق منها أن الفنيين العاملين بالمشروع يخططون لإفشاله وهذه من الأمور المهمة وحتى نتدارك هذه الخسارة كنت أشرف بنفسي على عمليات التغيير فكانت خسائرنا السنة الأولى 50 مليون ثم 40 مليون في السنة الثانية ثم 30 مليون، ثم 20 مليون في السنة الرابعة إلى أن تلاشت الخسائر تماماً وبدأنا نحقق الأرباح ونحن لا زلنا حتى الآن نطور في المشروع من حيث الاهتمام بتنظيم الحظائر والاهتمام بصحة الدواجن وبعد أسبوعين من الآن سنقيم مناقصة لتغيير بعض الخطوط فبدلاً من أن يحوي المسلخ 500 سيتقلصون إلى 250 عاملاً وهناك أفكاراً كثيرة جميعها تصب من أهداف تطوير الإنتاج.

    الشيخ الراجحي لم يكمل دراسته النظامية ونجح في العمل هل تؤيد الشاب عندما يتعثر أكاديمياً أن يتجه للعمل وهل الخبرة تتجاوز العلم في أهميتها؟
    الخبرة خط والعلم خط آخر ويمكن أن يلتقي الخطان معاً فإذا وجدت الخبرة والعلم معاً فهذا هو النجاح بعينه وأكثر العباقرة الذين أثروا العلم باختراعاتهم لم يكونوا من حملة الشهادات العالية وأنا لا أنصح الشباب بترك العلم وكذلك ألا تكون الشهادة هي المرجعية بل تكون قاعدة أساسية يعتمد عليها الشباب بل يعمل ويجتهد فإذا اعتمد على الشهادة فقط ربما تزيده غروراً فمهما تكن مرتبة الشهادة صغيرة أم كبيرة يجب أن تدعم بالعمل فأنا أستفيد من أي عامل عندي يأتي بفكرة جيدة والحمد لله عندي 15.000 موظف.

    نظرة الراجحي للطاقات الوطنية وما مدى قناعة رجال الأعمال بهم وإحلالهم مكان الأجانب؟
    أنا أقول إن شبابنا من أقدر وأقوى وأجدر شباب في العالم، ولكن هنالك ثمة ملاحظة في الشباب السعودي أنهم يفتقدون عنصر عدم الاستقرار في العمل وهذا ما جعلنا نستعين بالأجانب فالشاب يُعَيّن ويستمر فترة شهرين وبعدها يجده يبحث عن عمل في مكان آخر وعندما يجده لا يستأذن من صاحب العمل بل يتركه ويذهب وأقولها بكل صراحة نحن لدينا قدرات وعقول لكن للأسف لا نستغلها وأستشهد هنا بموقف فقد اشتريت جهاز من الأرجنتين لمزرعة الدواجن والجهاز معقد جداً والذي قام بتركيبه مهندس سعودي حديث التخرج استعان فقط بخرائط الجهاز.

    هناك إعلان عن كلية طب تبرع بها الشيخ الراجحي فهل هذا توجه لدى الراجحي لفتح قنوات جديدة للعمل الخيري ؟
    من الأشياء المهمة عند الإنسان التجديد (العقل والتفكير) فأنا عملت في قنوات استثمارية كثيرة دواجن وصرافة وفي الزراعة ونجحت والحمد لله وفكرت في فتح قنوات جديدة والطب أصبح مهماً جداً في حياة الإنسان وأصبحت الأمراض المستعصية والخطرة تكثر كل يوم فكان لابد من المساهمة ومساعدة بني وطني وفي نيتي أن تكون هذه الكلية نواة لجامعة في المستقبل وأبنائي هم أصحاب الفكرة وهم الذين يتبنون العمل الآن.

    هل العمل في المجال العقاري كان السبب الرئيسي وراء ثروتك ؟
    أنا عملت في العقار وساهمت في الشركات وعملت في الصناعة وهذه أعتبرها ضريبة للوطن فأين نستثمر أموالنا في الخارج من أجل حفنة أرباح ويستفيد منها الغير وأنا لم أتعمق في التجارة كثيراً عدا تجارة الشاي والأرز وخسرت فيها ولكن الحمد لله توفقت في العقار وفي الصناعة وبذلك أكون قد فتحت قنوات متنوعة للعمل والرزق والحمد لله ساهمت في بناء ثروتي.

    من هو التاجر القدوة الداعم لوطنه ومجتمعه في نظر الشيخ سليمان الراجحي ؟
    يجب على الإنسان قبل كل شيء أن يفتح صفحة صدق مع الله ويتعامل بحسن وأمانة مع الآخرين وبالتأكيد سوف يفتح الله لـه أبواب الرزق على أوسعها وإذا مرّ عليك أي موقف يلهمك الله بالرد الشافي أنا كنت في لندن في بنك جارنر هاوس البنك الذي كنت أتعامل معه، الرجل الثاني في البنك قدم لي دعوة للغداء معه وكان معي زوجتي وابن أخي وعندما ألح عليَّ وافقت وقلت لـه بشرط ألا يكون هناك خمر ولا لحم خنزير وأن تأكل النساء لوحدهن ونحن لوحدنا وزوجة هذا الرجل كانت دكتورة في علم الفلسفة وزوجها من حملة الماجستير في الاقتصاد وفي السيارة قالت لي أود أن أسألك سؤالاً فقلت لها أنا إنسان مسكين فألحت علي فوافقت لها بالسؤال فقالت لي نحن يزورونا خليجيون كثر، سعوديون وكويتيون ومن الإمارات وقطر بأسرهم فهل أنت مسلم وهم غير مسلمين فقلت لها أنا أود أن أسألك سؤالاً قبل الإجابة على سؤالك، فقالت اسأل، قلت لها: لديكم راهبات يرتدين الزي الساتر أنتِ لماذا لا ترتدين مثلهن فقالت لي أنا لا أريد ذلك فقلت لها أنا أولادي لا يريدون ذلك وكان ذلك قبل 32 سنة فما كان منها إلا أن صمتت.
    • تعليقات بلوجر
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comment:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة نجاح الشيخ سليمان الراجحي Rating: 5 Reviewed By: khattab
    Scroll to Top